لما قدم المتنبى الى مصر فى عهد كافور الخشيدى قربه اليه وأدناه من مجلسه فظن المتنبى أن كافورا سيمن عليه بولاية فصار يمدحه كثيرا
وكان من ذلك المديح:
لحا الله ذي الدنيا مناخا لراكب ............. فكل بعيد الهم فيها معذب
الا ليت شعري هل أقول قصيدة.................فلا أشتكي فيها ولا أتعتب
وبي مايزود الشعر عني أقله.................ولاكن قلبي ياابنة القوم قلب
وأخلاق كافور اذا شئت مدحه................. وان لم أشء تملي علي وأكتب
اذا ترك الأنسان أهلا ورائه.................. ويمم كافــورا فمــا يتغــرب
فتى يملأ الأفعال رأيا وحكمة .................. ونادرة احيان يرضى ويغضب
اذا ضربت في الحرب بالسيف كفه............... تبينت أن السيف بالكف يضرب
أبا المسك هل في الكأس فضل أناله............. فأني أغني منذ حين وتشرب
اذا لم تنط بي ضيعة أو ولاية ............... فجــودك يكسوني وشغلك يسلب
أحن الى أهلي وأهوى لقاءهم................ وأين من المشتاق عنقاء مغرب
فأن لم يكن الا أبو المسك أو هم............. فأنك أحلى في فؤادي وأعذب
اذا طلبوا جدواك أعطو وحكموا............. وأن طلبوا الفضل الذي فيك خيبوا
ولو جاز أن يحووا علاك وهبتها...............ولاكن من الأشياء ما ليس يوهب
وأظلم أهل الظلم من بات حاسدا..............لمن بات في نعمائــه يتقلـــب
وأنت الذي ربيت ذا الملك مرضعا............. وليس له أم سواك ولا أب
وكنت له ليث العرين لشبلــه .............. وما لك الا الهندواني مخلب
لقيت القنا عنه بنفس كريمة................ الى الموت في الهيجاء من العار تهرب
وما طربي لما رأيتك بدعة.................. لقد كنت أرجو ان اراك فأطرب
وتعذلني فيك القوافي وهمتي................... كأني بمدح قبل مدحك مذنب
ولاكنه طال الطريق ولم أزل................ أفتش عن هذا الكلام وينهب
فشرق حتى ليس للشرق مشرق ................ وغرب حتى ليس للغرب مغرب
وبعد ذلك طلب المتنبى من الاخشيدى ولاية أو عطية مذكرا اياه وعوده البراقة فقال له " أنت في حال الفقر وسوء الحال وعدم المعين سَمَتْ نفسك إلى النبوة ، فإن أصبتَ ولاية صار لك أتباع ، فمن يطيقك ؟ " .
فاشتد غيظ المتنبى وهجاه هجاء شديدا لاذعا ثم هرب من مصر سرا وقال:
أَكُلَّما اغتالَ عَبدُ السوءِ سَيِّدَهُ" = "أَو خانَهُ فَلَهُ في مِصرَ تَمهيدُ
صارَ الخَصِيُّ إِمامَ الآبِقينَ بِها" = "فَالحُرُّ مُستَعبَدٌ وَالعَبدُ مَعبودُ
نامَت نَواطيرُ مِصرٍ عَن ثَعالِبِها" = "فَقَد بَشِمنَ وَما تَفنى العَناقيدُ
العَبدُ لَيسَ لِحُرٍّ صالِحٍ بِأَخٍ" = "لَو أَنَّهُ في ثِيابِ الحُرِّ مَولودُ
لا تَشتَرِ العَبدَ إِلّا وَالعَصا مَعَهُ" = "إِنَّ العَبيدَ لَأَنجاسٌ مَناكيدُ
ما كُنتُ أَحسَبُني أبقى إِلى زَمَنٍ" = "يُسيءُ بي فيهِ كَلبٌ وَهوَ مَحمودُ
وَلا تَوَهَّمتُ أَنَّ الناسَ قَد فُقِدوا" = "وَأَنَّ مِثلَ أَبي البَيضاءِ مَوجودُ
وَأَنَّ ذا الأَسوَدَ المَثقوبَ مِشفَرُهُ" = "تُطيعُهُ ذي العَضاريطُ الرَعاديدُ
جَوعانُ يَأكُلُ مِن زادي وَيُمسِكُني" = "لِكَي يُقالَ عَظيمُ القَدرِ مَقصودُ
إِنَّ امرأً أَمَةٌ حُبلى تُدَبِّرُهُ" = "لَمُستَضامٌ سَخينُ العَينِ مَفؤودُ
وَيلُمِّها خُطَّةً وَيلُمِّ قابِلِها" = "لِمِثلِها خُلِقَ المَهرِيَّةُ القُودُ
وَعِندَها لَذَّ طَعمَ المَوتِ شارِبُهُ" = "إِنَّ المَنِيَّةَ عِندَ الذُلِّ قِنديدُ
مَن عَلَّمَ الأَسوَدَ المَخصِيَّ مَكرُمَةً" = "أَقَومُهُ البيضُ أَم آبائُهُ السود
أَم أُذنُهُ في يَدِ النَخّاسِ دامِيَةً" = "أَم قَدرُهُ وَهوَ بِالفَلسَينِ مَردودُ
أَولى اللِئامِ كُوَيفيرٌ بِمَعذِرَةٍ" = "في كُلِّ لُؤمٍ وَبَعضُ العُذرِ تَفنيدُ
وَذاكَ أَنَّ الفُحولَ البيضَ عاجِزَةٌ" = "عَنِ الجَميلِ فَكَيفَ الخِصيَةُ السودُ