كان لي صديق من خيرة الأصدقاء، وكان لا يألو جهداً في مناصحتي إذا أخطأت فكان يذكرني دائماً بالله سبحانه وتعالى.
وفي يوم من الأيام تشاجرتُ مع أحد الجيران، فتعالت أصواتنا حتى اجتمع علينا الناس.. ومن اللذين حضروا صديقي، وقام على الفور بفضّ النزاع وإصلاح ذات البين ثم قال لي ألا تعلم بأن المسلم أخو المسلم؟
-فقلت له بلى أعلم، فقال لي: ألا تعلم بأن الله أوصانا بالصبر في كتابة العزيز؟ فقلت: بلى، فقال لي: إذا كنت تعلم ذلك، فلمَ تعدّيت على أخوك المسلم، وإذا كنت تعلم ذلك لماذا لم تصبر عليه؟ وبذلك تلقم الشيطان حجراً!
فطأطأت رأسي، وقلت: سأفعل ذلك إن شاء الله.
ثم مرّت الأيام تلو الأيام.. وفي أحد الأيام تشاجرت مع أحد البائعين المتجولين وأسمعته كلاماً فاحشاً -وأستغفر الله العظيم-، ثم ذهب المسكين إلى حاله. وعندما علم صديقي، أتاني فقال لي: لماذا نسيت كلامي الذي مضى؟ أنسيت بأن المسلمون أخوة؟
فرددت عليه -وأنا في غاية الغضب-:" لم أنسَ، ويكفي موعظة؛ كلما رأيتني ...، فأنا لست طفلاً..."، ولم أعرف ما الذي ساقني لقول مثل ذلك، ولمن؟ لأعز صديق لدي.
ثم نظر إلي وتحدّرت تلك الدموع الطاهرة من مقلتيه، ثم قال لي -وهو ذاهب-: في أمان الله يا صديقي.. ولا تنسَ كلامي لك.
عندها أظلمت الدنيا في وجهي، وكان الوقت قد دخل على الساعة الحادية عشر مساءً، قلت في نفسي: "ماذا فعلت؟؟".. أخذتُ ألعن الشيطان وأستغفر الله على ما بدر مني.
ولم استطع النوم لأني أغضبت صديقي الوفي، الذي كان يذكّرني بالله دائماً.. لم أستطع النوم لأنني جعلته يبكي، وهو الذي كان يدخل الأمل إلى قلبي بكلماته الطيبة.. ما أقساني من إنسان!!
فأقسمت بالله ألا أنام حتى أعتذر منه وأساله أن يسامحني ويدعو الله لي. فانتظرت حتى صلاة الفجر فتوضأت ثم ذهبت إلى المسجد فصلّيت السنة وأخذت أتلفّت يميناً وشمالاً وأراقب القادمين إلى المسجد، حتى أقيمت الصلاة، وصديقي لم يأتِ..
إنه لا يتأخر عن الصف الأول مطلقاً!! فقلت ربما تأخر في نومة وسوف يأتي بعد قليل.
وبعد انتهاء الصلاة، نظرت إلى الخلف ولكنه ليس في المسجد.. فقمت متوجهاً إلى منزله، وعندما قربت كان على باب منزله الكثير من الناس، فقلت ما الأمر؟ قالوا: محمد قد مات .. فقلت: ماذا؟ قالوا: محمد قد مات..
فأخذتني نوبة شديدة من البكاء، وأصبح الكلّ يذكّرني بالله، فقلت: لا هو فقط الذي كان يذكّرني بالله، هو صديقي..
وظللت أبكي وأردد "هو من كان ينصحني، هو من كان ينصحني..
" حتى سمعت ذلك الصوت من خلف الباب، صوت أم محمد، أعز صديق في قلبي، تقول: أعظم الله عزاك في صاحبك، ثم قالت لي: يقول لك محمد لا تنسى ما قاله لك..
فقلت: لن أنسى.. وظللت أقسم أنني لن أنسى..
ومن يومها والحمد لله ما تعرضت لأحد، ولا أغضبت أحداً، وأصبحت من السائرين على صراط الله المستقيم.
فأسال الله أن يرحمه رحمة واسعة، وأن يسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والشهداء.. اللهم آمين.