من المعروف أن العلاقة الزوجية القائمة على التفاهم والوضوح والتضحية والتسامح والتجاوز
عن الهفوات، والتغاضي عن الزلات ..
تساهم في استمرار الحياة الزوجية وقوتها بحب ومودة واحترام ،
أما إن قامت العلاقة بين الزوجين على الأنانية والعناد وتصيد الأخطاء
والمشاجرات المستمرة على كل صغيرة وكبيرة، فإن ذلك يسرع بتصدع
الأسرة وتنكلها، ويشتت شمل أفرادها، وقد يقضي على كيانها.
ويعتبر العناد بين الزوجين من أحدهما أو كلاهما أحد الأسباب الرئيسة لتفاقم
المشكلات بينهما، ولا يخفى على المتمعن البصير ما يترتب على صفة العناد من
آثار نفسية وتربوية وانفعالية تخلفه على الزوجين وأولادهم.
وقد بحث علماء النفس في ظاهرة العناد عند الطفل فوجدوه يمر بمرحلتين:
المرحلة الأولى: تبدأ من سن الثانية من عمر الإنسان، عندما تبدأ مؤشرات
الاستقلال الذي يدفعه إلى الإصرار على تحقيق رغباته أمام رغبات الكبار.
المرحلة الثانية : تبدأ في مرحلة المراهقة حيث يأتي العناد كتعبير للانفصال عن الوالدين.
ثم تستمر صفة العناد عند الطفل، فقد تكون مؤقتة أو عابرة، أو مزمنة قوية جداً،
بدرجة غير طبيعية، ففي هذه الحالة تعتبر جذوراً لنوع من الاضطرابات الشخصية
عند الكبار وهو ما يسمى بالشخصية السلبية العدوانية، فالبالغون الذين توصف
شخصياتهم بالسلبية العدوانية غالباً ما يكونون في صغرهم اصحاب اضطرابات العناد.
وقبل أن نبين العلاج المناسب لهذه المشكلة، لا بد من بيان أسباب العناد
عند أحد الزوجين أو كلاهما، لأن للعناد أسباب نفسية وتربوية مختلفة،
تختلف باختلاف التربية الأسرية، والعلاقات الوالدية، وأسلوب الثواب والعقاب،
ومستوى الوعي الثقافي والفكري، ودرجة النضج والإدراك، إلى غير ذلك من أسباب.
والعناد نوعان: إيجابي وسلبي.
العناد الإيجابي ويتمثل في عناد الإرادة والتصميم ، وهو إذا أصر الطفل على
محاولة إصلاح لعبة أو غيرها محاولات عديدة حتى يصل إلى إصلاحها تماماً ،
وهذا النوع من العناد نشجعه وندعمه حتى تقوى إرادة الإنسان في الوصول للنجاح.
أما العناد السلبي فيأخذ صوراً مختلفة نتيجة أسلوب وطريقة التربية الأسرية ،
فهناك عناد مفتقد للوعي والإدراك والنضج ، مثال إذا أصرت الزوجة
على شراء أشياء كمالية لا داعي لها ، وظروف زوجها المالية لا تسمح
ويحاول إقناعها بشتى الطرق ولكنها تصر على طلباتها دون وعي وإدراك بظروف زوجها ،
فتتسبب له في مشكلات عديدة ، ويحدث بينهما فجوة ..
كما أن هناك من الزوجات من تعتقد أن إصرارها على مواقفها يدل على قوة شخصيتها
ويزيد من قيمتها ومكانتها عند زوجها فيحقق لها ما تريد ..
وهناك عناد اكتسبته من اقتدائها وتشبهها بوالديها لأنهما كانا يتعاملان بهذا الأسلوب ..
وهناك عناد اكتسبته الزوجة من أسلوب العقاب القاسي فأكسبها
صرامة وصلابة وعناداً وإصراراً على رغباتها ..
أو قد تكتسب صفة العناد من أسلوب التعامل كأن تخاطبها والدتها بلهجة جافة ،
وأوامر ونواهي ملزمة ، فتعاند بسبب هذا الأسلوب..
وقد تعاند بسبب التدخل المستمر لكل ما تفعله دون مبرر ، فتظهر تذمرها ثم تعاند..
وقد يكون عناد الزوجة بسبب التعزيز الأسرى لهذه الصفة في مرحلة الطفولة
بأن نقول أمامها إنها عنيدة ورأسها يابسة ، فترسخ هذه الصفة في داخلها ،
ثم تستغلها في تحقيق أغراضها ..
وإذا استمرت الزوجة في عنادها كوسيلة متواصلة،
ونمط راسخ وصفة ثابتة في شخصيتها، تؤدي بها إلى المشاكسة
والمعاكسة وافتعال المشكلات مع الآخرين،
فإنها في حاجة ماسة إلى استشارة طبيب نفساني،
لأن العناد في هذه الحالة عناد مرضى يمثل اضطراباً خطيراً في سلوكها.
وعموماً صفة العناد في الإنسان تبين عدم القدرة على
التوافق والتكيف مع الظروف البيئية من حوله.
أما العلاج لهذه الظاهرة فيتمثل في دراسة كل حالة على
حدة ومعرفة الأسباب التي دفعتها للعناد، ثم معالجته،
مع إكساب الوالدين مهارات وطرق التعامل اللازمة،
وتزويدهم بأسلوب الثواب والعقاب في التربية الإسلامية،
وأسلوب التعامل مع الطفل الصغير العنيد الذي يحتاج إلى
أسلوب اللطف واللين مع دفء المعاملة والمرونة في المواقف،
ومحاورته بأسلوب منطقي واقعي حتى يرتقى فكره وتنضج انفعالاته،
مع مراعاة التخفيف من الأوامر والنواهي والتدخل المستمر دون مبرر،
مع استخدام الألفاظ الإيجابية بدلاً من الألفاظ السلبية الآمرة والناهية التي تنفر الطفل .